كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أنهم يقتلون من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه ما لم يأتهم العذاب للمعياد فذهب مغاضبًا.
قال ابن عباس: أتى جبريل يونس فقال انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم فقال: ألتمس دابة قال: الأمر أعجل من ذلك فغضب وانطلق إلى السفينة.
وقال وهب: إن يونس كان عبدًا صالحًا كان في خلقه ضيق فلما حمل أثقل النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل، فقذفها من يده وخرج هاربًا منها فلذلك أخرجه الله من أولي العزم من الرسل وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} وقال: {ولا تكن كصاحب الحوت} وقوله: {فظن أن لن نقدر عليه} أي لن نقضي عليه العقوبة.
قاله ابن عباس في رواية عنه وقيل معناه فظن أن لن نضيق عليه الحبس وقيل معناه فظن أنه يعجر ربه فلا يقدر عليه، قيل لما انطلق يونس مغاضبًا لربه واستزله الشيطان حتى ظن أن لن يقدر عليه وكان له سلف وعبادة إبى الله أن يدعه للشيطان فقذفه في بطن الحوت فمكث فيه أربعين ما بين يوم وليلة.
وقيل سبعة أيام وقيل ثلاثة.
وقيل: إنه الحوت ذهب به حتى بلغ تخوم الأرض السابعة فتاب إلى ربه وراجع نفسه في بطن الحوت {فنادى في الظلمات} أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت {أن لا إله إلا إنت سبحانك إني كنت من الظالمين} أي حيث عصيتك وما صنعت من شيء فلم أعبد غيرك فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته وروى أبو هريرة مرفوعًا قال: «أوحى الله تعال إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحمًا ولا تكسر له عظمًا فأخذه ثم أهوى به إلى مسكنه في البحر فلما انتهى به أسفل البحر سمع يونس حسًا فقال في نفسه ما هذا فأوحى الله إليه هذا تسبيح دواب البحر قال فسبح هو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة وفي رواية صوتًا معروفًا من مكان مجهول فقال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت فقالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل» فذلك قوله تعالى: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم} أي تلك الظلمات {وكذلك ننجي المؤمنين} أي من الكروب إذا دعونا واستغاثوا بنا.
فإن قلت قد تمسك بمواضع من هذه القصة من أجاز وقوع الذنب من الأنبياء منها قوله: {إذ هب مغاضبًا} ومنها {فظن أن لن نقدر عليه} ومنها قوله: {إني كنت من الظالمين} قلت أما الجواب الكلي فقد اختلفوا في هذه الواقعة هل كانت من قبل الرسالة أم لا؟ فقال ابن عباس: كانت رسالته بعد أن أخرجه الله من بطن الحوت بدليل قوله تعالى في الصافات بعد ذكر خروجه {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} فثبت بهذا أن هذه الواقعة كانت قبل النبوة وقد أجاز بعضهم عليه الصغائر قبل النبوة ومنعها بعد النبوة وهو الصحيح.
وأما الجواب التفصيلي لقوله: {إذ ذهب مغاضبًا} فحمله على أنه لقومه أو للملك أولى بحال الأنبياء وأما قوله: {فظن أن لن نقدر عليه} فقد تقدم معناه أي لن نضيق عليه وذلك أن يونس ظن أنه مخير إن شاء أقام وإن شاء خرج.
وإن الله تعالى لا يضيق عليه في اختياره وقيل هو من القدر لا من القدرة وأما قوله: {إني كنت من الظالمين} فالظلم وضع الشيء في غير موضعه وهذا اعتراف عند بعضهم بذنبه فإما أن يكون لخروجه عن قومه بغير إذن ربه أو لضعفه عما حمله، أو لدعائه بالعذاب على قومه وفي هذه الأشياء ترك الأفضل مع قدرته على تحصيله فكان ذلك ظلمًا.
وقيل كانت رسالته قبل هذه الواقعة بدليل قوله: {وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون} فعلى هذا يكون الجواب عن هذه الواقعة ما تقدم من التفصيل والله أعلم.
قوله: {وزكريا إذ نادى ربه} أي دعا ربه فقال: {رب لا تذرني فردًا} أي وحيدًا لا ولد لي يساعدني وارزقني وارثًا {وأنت خير الوارثين} هو ثناء على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق وأنه الوارث لهم وهذا على سبيل التمثيل والمجاز فهو كقوله: {وأنت خير الرازقين} {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى} أي ولدًا {وأصلحنا له زوجة} أي جعلناها ولودًا بعد ما كانت عقيمًا وقيل كانت سيئة الخلق فأصلحها الله تعالى له بأن رزقها حسن الخلق {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات} يعني الأنبياء المذكورين في هذه السورة.
وقيل زكريا وأهل بيته، والمسارعة في الخيرات من أكبر ما يمدح به المرء لأنها تدل على حرص عظيم في طاعة الله {ويدعوننا رغبًا ورهبًا} يعني إنهم ضموا إلى فعل الطاعات أمرين: أحدهما: الفزغ إلى الله لمكان الرغبة في ثوابه والرهبة من عقابه.
والثاني: الخشوع وهو قوله تعالى: {وكانوا لنا خاشعين} الخشوع هو الخوف اللازم للقلب فيكون الخاشع هو الحذر الذي لا ينبسط في الأمور خوفًا من الوقوع في الإثم.
قوله تعالى: {والتي أحصنت فرجها} أي إحصانًا كليًا من الحلال والحرام جميعًا كما قالت {لم يمسسني بشر ولم أك بغيًا} وهي مريم بنت عمران {فنفخنا فيها من روحنا} أمرنا جبريل حتى نفخ في جيب درعها فخلقنا بذلك النفخ المسيح في بطنها، وأضاف الروح إليه تشريفًا لعيسى كبيت الله وناقة الله {وجعلناها وابنها آية} أي دلالة {للعالمين} على كمال قدرتنا وعلى خلق ولد من غير أب، فان قلت هما آيتان فكيف قال آية؟.
قلت معنى الكلام وجعلنا شأنهما وأمرهما آية واحدة أي ولادتها إياها من غير أب آية.
قوله تعالى: {إن هذه أمتكم} أي ملتكم ودينكم {أمة واحدة} أي دينًا واحدًا وهو الإسلام فأبطل ما سوى الإسلام من الأديان والأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد، وجعلت الشريعة أمة لاجتماع أهلها على مقصد واحد {وأنا ربكم فاعبدون} اي لا دين سوى ديني ولا رب لكم غيري فاعبدوني أي وحدوني.
{وتقطعوا أمرهم بينهم} أي اختلفوا في الدين فصاروا فرقًا وأحزابًا حتى لعن بعضهم بعضًا وتبرأ بعضهم من بعض {كل إلينا راجعون} فنجزيهم بأعمالهم {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه} أي لا يجحد ولا يبطل سعيه بل يشكر ويثاب عليه {وإنا له كاتبون} أي لعلمه وحافظون له.
وقيل: الشكر من الله المجازاة، والكفران ترك المجازاة.
قوله: {وحرام على قرية أهلَكِناها أنهم لا يرجعون} قال ابن عباس: ومعناه وحرام على أهل قرية أهلكانهم أن يرجعوا بعد الهلاك، وقيل: معناه وحرام على أهل قرية حكمنا بهلاكهم أن نقبل أعمالهم لأنهم لا يتوبون.
قوله: {حتى إذا فتحت يأجوج وماجوج} يريد فتح السد وذلك أن الله يفتحه أخبر عن يأجوج وماجوج وهما قبيلتان، يقال إنهما تسعة أعشار بني آدم {وهم من كل حدب ينسلون} أي يسرعون النزول من كل الآكام والتلال.
وفي هذه الَكِناية وجهان: أحدهما أن المراد بهم يأجوج وماجوج وهو الأصح بدليل ما روي عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظننا أنه من طائفة النخل فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال الغداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال: «غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فكل امرىء حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينًا وعاث شمالًا يا عباد الله فاثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال لا أقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر لهم السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأصبغه ضروعًا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم عليه السلام فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعًا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى عليه السلام إلى قوم قد عصمهم الله منه فيمسح على وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد أن يقاتلهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقول لقد كان بهذة مرة ماء ويحضر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله فيهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسي كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك ودري بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحًا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة» أخرجه مسلم.
شرح غريب ألفاظ الحديث:
قوله حتى «ظنناه في طائفة النخل» أي ناحية النخل وجانبه والطائفة القطعة من الشيء، وقوله «فخفض فيه ورفع» خفض صوته ورفعه من شدة ما تكلم به في أمره. وقيل إنه خفض من أمره تهوينا له ورفع من شدة فتنته والتخويف من أمره.
قوله «إنه شاب قطط» أي جعد الشعر وقوله «طافئة» أي خارجة عن حدها قوله «إنه خارج خلة» أي إنه يخرج قصدًا وطريقًا بين جهتين والتخلل الدخول في الشيء.
قوله «فعاث» أي أفسد.
قوله «اقدروا له قدره» أي قدروا قدر يوم من أيامكم المعهودة وصلوا فيه بقدر أوقاته، وقوله «فتروح عليهم سارحتهم» أي مواشيهم، وقوله «فيصبحون ممحلين» أي مقحطين قد أجدبت أرضهم وغلت أسعارهم.
قوله «كيعاسيب النحل» جمع يعسوب وهو فحل النحل ورئيسها.
قوله «فيقطعه جزلتين رمية الغرض» أي قطعتين والغرض الهدف الذي يرمى بالنشاب.
قوله «بين مهرودتين» رويت بالدال المهملة وبالمعجمة أي شقتين وقيل حلتين وقيل الهرد الصبغ الأصفر بالورس والزعفران.
قوله «لا يدان لأحد بقتالهم» أي لا قدرة ولا قوة لأحد بقتالهم والنغف دود يكون في أنوف الإبل والغنم فرسى جمع فريس وهو القتيل.
قوله «زهمهم» أي ريحهم النتنة.
قوله «كالزلفة» أي كالمرآة وجمعها زلف ويروى بالقاف وأراد به استوائها ونظافتها.
قوله «تأكل العصابة» أي الجماعة قيل يبلغون أربعين وقحف الرمانة في الحديث قشرها.
والرسل بكسر الراء اللبن واللقحة الناقة ذات اللبن، والفئام الجماعة من الناس، والفخذ دون القبيلة، وقوله «يتهارجون» أي يختلفون والتهاريج الاختلاف، وأصله القتل.
الوجه في تفسير قوله تعالى: {وهم من كل حدب ينسلون}.
قيل جميع الخلائق يخرجون من قبورهم إلى موقف الحساب م عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: «اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال: ما تذكرون قالوا؟ نذكر الساعة قال إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغاربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج وماجوج وثلاث خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» قوله: {واقترب الوعد الحق} أي القيامة قال حذيفة لو أن رجلًا اقتنى فلوًّا بعد خروج يأجوج وماجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة.
الفلو المهر {فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} قيل معنى الآية أن القيامة إذا قامت شخص أبصار الذين كفروا من شدة الأهوال ولا تكاد تطوف هول ذلك اليوم ويقولون {يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا} يعني في الدنيا حيث كذبنا به وقلنا إنه غير كائن {بل كنا ظالمين} أي في وضعنا العبادة في غير موضعها.
قوله: {إنكم} الخطاب للمشركين {وما تعبدون من دون الله} يعني الأصنام {حصب جهنم} أي حطبها ووقودها وقيل يرمي بهم في النار كما يرمي بالحصباء وأصل الحصب الرمي {أنتم لها واردون} أي فيها داخلون {لو كان هؤلاء} يعني الأصنام {آلهة} أي على الحقيقة {ما وردوها} أي ما دخل الأصنام النار وعبدوها {وكل فيها خالدون} يعني العابدين والمعبودين {لهم فيها زفير} قيل الزفير هو أن يملأ الرجل صدره غمًا ثم يتنفس وقيل هو شدة ما ينالهم من العذاب {وهم فيها لا يسمعون} قال ابن مسعود في هذه الآية: إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخر ثم تلك التوابيت في توابيت أخر عليها مسامير من نار فلا يسمعون شيئًا ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدًا يعذب غيره.
قوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} قال العلماء: إن هنا بمعنى إلا أي إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى يعني السعادة والعدة الجميلة بالجنة {أولئك عنها} أي عن النار {مبعدون} قيل: الآية عامة من كل من سبقت لهم من الله السعادة، وقال أكثر المفسرين عنى بذلك كل من عبد من دون الله وهو الله طائع ولعبادة من يعبده كاره وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جنهم} الآيات الثلاث ثم قال فأقبل عبد الله بن الزبعرى السهمي فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن الزبعرى: أما والله لو وجدته لخصمته فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الزبعرى أنت قلت إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم؟ قال: «نعم» قال أليست اليهود تعبد عزيرًا والنصارى تعبد المسيح وبني مليح تعبد الملائكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل هم يعبدون الشياطين» فأنزل الله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} يعني عزيرًا والمسيح والملائكة أولئك عنها مبعدون وأنزل في ابن الزبعرى {ما ضربوه لك إلا جدلًا بل هم قوم خصمون} وزعم جماعة أن المراد من الآية الأصنام لأن الله تعالى {قال إنكم وما تعبدون من دون الله} ولو أراد به الملائكة والناس لقال إنكم ومن تعبدون لأن من لمن يعقل وما لمن لا يعقل {لا يسمعون حسيسها} يعني صوتها وحركة تلهبها إذا نزلوا منازلهم في الجنة {وهم فيما اشتهت أنفسهم} أي من النعيم والكرامة {خالدون} أي مقيمون.